2008-08-27

يوميات على الأنترنت (1) داعية الأنترنت

بسم الله الرحمن الرحيم .. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. عندما طرأت لي فكرة هذا الموضوع .. كانت مجرد فكرة بسيطة .. عن أحوال بعض الناس على الأنترنت .. داعية الأنترنت .. زوجة .. وطالب .. أحوال كل منهم على الأنترنت .. بالفعل كتبت بعض الكلمات .. لما أحببت أن أكتب هذه القصة عن داعية الأنترنت .. سبحان الله وجدت القلم يجري ولم أستطع أن أوقفه عن الكتابة .. فكانت هذه الخاطرة الطوووويلة نوعا ما .. لكن اسأل الله أن تكون فيها الفائدة


من يوم أن التزم .. وهو شعلة نشاط .. يدعوا إلى الله بالكلمة الطيبة .. والابتسامة الصادقة .. مكانه في المسجد معروف .. ووجهه إلى المصلين مألوف .. يعرفه أهل المسجد كبارا وصغارا .. يحمل مصحفه في جيبه .. زجاجة عطر يعطر بها كل من يقابله .. يتحدث فكأنه يوزع الورود والرياحين على مسامع كل من يلقاه .. يحبه أهل الحي .. سمعه أحدهم يوما يترنم بالآيات .. أعجبه الصوت وأشجاه .. قال في نفسه ما أحلاه !! ـ

حدث اهل المسجد عن ذاك الصوت الخلاب .. في يوم قدمه أحدهم لإمامتهم في الصلاة .. أبى أشد الإباء .. كان يخشى من الرياء .. بعد الصلاة .. قال الجميع ما شاء الله .. لا قوة إلا بالله .. أنت إمام المسجد .. ألح عليه الجميع .. لك أجرنا إن شاء الله

اقترب الشهر الفضيل .. موسم الخيرات رمضان .. حضر كلمة خفيفة عن فضل الشهر الكريم وفضل الصيام والقيام .. ألقاها في إحدى الليالي بعد صلاة العشاء .. لم يتجاوز الدقائق العشر .. ما أن انتهى حتى قال الجميع : ما شاء الله .. لا قوة إلا بالله .. جزاك الله كل خير .. من اليوم أنت إمامنا في الصلاة .. وخطيبنا في الجمعة إن شاء الله

الكل يحبه .. يثق فيه .. يأتمنوه على أسرارهم ويأتون إليه يطلبون منه النصيحة بالرغم من صغر سنه .. يفرح لرؤيته الفقراء واليتامى .. يقيم الفعاليات والأنشطة لأبناء الحي .. ينظم المسابقات ويقدم الهدايا .. يطرق أبواب الخير في كل مكان

زاره في يوم صديق له .. فرح بقدومه لزيارته كثيرا .. طلب من أمه أن تعد لهم الغداء .. على مائدة الطعام يطيب الكلام .. بدأوا يتجاذبون أطراف الحديث .. من أين تحضر خطبك ودروسك ؟؟ - سأل الصديق – أجاب هو : عندي فتح الباري .. قصص الأنبياء .. الرحيق المختوم .. ذكر ما لذ وطاب من الكتب والمجلدات .. وطبعا قبل جميع الكتب كتاب الله ..قال الصديق : ما شاء الله .. لا قوة إلا بالله

اسمع يافلان .. أشهد أن الله قد وفقك وأكرمك ومن عليك بحسن الصوت مع حسن القول والفعل ..
لماذا تجعل نفعك محدودا !! ـ

قال : محدود

قال صديقه : نعم .. كم يسمع قولك في المسجد

قال : يعني يحضر عشرون .. خمس وعشرون

قال صديقه :
لم لا تشارك في الأنترنت .. يسمعك العالم كله .. تدعوا الملسم وغير المسلم .. يدخل الملايين إلى الأنترنت كل يوم

أعجبته الفكرة ..
قرر أن يضيف إلى مدعويه العشرون أو الخمس عشرون بضعة ملايين


تعلم كيف يشارك في المنتديات .. تعرف على بعض الغرف الدعوية في العديد من المواقع .. عرف طريقه إلى غرف البالتوك .. كانت مشاركاته دائما تجتذب العدد الأكبر من الزوار .. يحضر دروسه في الغرف الدعوية الكثير والكثير ..
أصبح يستشعر أنه على ثغر من الثغور


لا زال يحافظ على كلمات المسجد ويؤم الناس في الصلاة ..
لكن تأثرت كلماته في المسجد قليلا
.. بدلا من درسين اسبوعيا مع خطبة الجمعة .. في بعض الأحيان أصبح يكتفي بدرس واحد مع خطبة الجمعة .. اضطرته الظروف في بعض الأحيان أن يكتفي بخطبة الجمعة

أصبح صاحبنا من الدعاة المعروفين جدا على الشبكة العنكبوتية .. يحرص الجميع على التواصل معه ..
لم يصبح عنده الوقت الكافي للقراءة ولا للتزود من العلم .. بل حتى مراجعة القرآن
.. فتح الباري ورياض الصالحين والرحيق المختوم وغيرها على الأرفف يعلوا فوقها التراب .. إذا احتاج إلى معلومة فما عليه إلا أن يفتح أي محرك بحث .. يكتب كلمة يحصل على ما يريد بأسهل الطرق وأيسرها

تأخر يوما عن المسجد .. انتظره المصلون .. اضطر المؤذن أن يقيم الصلاة .. جاء هو في الركعة الثانية .. فسمع عبر مكبرات الصوت أحدهم يؤم المصلين في الصلاة .. لكنه لا يحسن القراءة .. دخل معهم في الصلاة .. أتم ركعة وحده بعد الإنتهاء .. لم يصلي السنة كعادته .. انطلق مسرعا إلى بيته .. فتح باب غرفته .. توجه مسرعا نحو جهاز الكمبيوتر فقد كانت هناك مناظرة بينه وبين شخص آخر غير مسلم .. استأذن منهم للصلاة .. ثم عاد مسرعا لإكمال المناظرة .. بينه وبين نفسه
شعور بتأنيب الضمير على فوات الركعة منه .. وتقديم أهل المسجد من لا يحسن القراءة مضطرين .. لكنه عاد وتذكر أنه ما كان ذلك بإرادته .. فهو في مناظرة للدفاع عن الإسلام .. وهو على ثغر من ثغور الدين

انتهت المناظرة قبيل الفجر بلحظات .. قام مسرعا فتوضأ ثم ذهب إلى المسجد قبل الآذان بخمس دقائق .. متذكرا تلك الركعة التي فاتته من صلاة العشاء

أم المصلين في صلاة الفجر .. بعد انتهاء الصلاة سلم على اصدقاؤه .. توجه كل واحد منهم إلى منزله .. دخل غرفته .. توجه إلى سريره مستسلما للنوم .. أيقظته والدته في الثانية والنصف .. ما أن فتح عينيه ونظر إلى الساعة حتى ردد : لا حول ولا قوة إلا بالله ..
ضاعت صلاة الظهر .. لكن شيئا ما بداخله ذكره أنه ليس على النائم حرج

قام فتوضأ وصلى الظهر بسننه القبلية والبعدية .. تناول سريعا طعاما أعدته له أمه .. منذ وقت وهو يأكل وحده .. لم يعد يجتمع مع أسرته على مائدة الطعام كما كان متعودا قبل ذلك .. لكنه
دائما كان يتذكر أنه على ثغر من ثغور الاسلام ولابد من التضحية حتى وإن كان بإجتماعه مع أسرته وتفريغ وقت لهم .. أكل سريعا .. توجه نحو حجرته التي تضم الكمبيوتر .. وجده كما تركه يعمل .. في الفترة الأخيرة لم يعد يطفئ الكمبيوتر بعد الإنتهاء منه .. فقط قام بالضغط على زر الشاشة .. حرك الفأرة .. أضاءت الشاشة من جديد .. بعض الصفحات مفتوحة لبعض المواقع والمنتديات التي يشارك فيها .. بعض برامج المحادثة والتي تحتوي على الغرف الدعوية التي تناسبه كداعي ويشارك فيها بإستمرار

جلس على كرسيه .. بدأ يتقلب بين الصفحات .. وجد العديد من الرسائل والدعوات في أحد برامج المحادثة تدعوه أن يدخل إحدى الغرف .. فهناك أحدهم غير مسلم يتطاول على الاسلام .. من بين إحدى الرسائل رسالة تقول : أين أنت يافلان .. تعال إلى غرفتنا الدعوية فهذا أحدهم يتطاول على الاسلام
وليس له إلا أنت لترد عليه مما أنعم الله به عليك من علم
.. فلا تبخل به

حزن كثيرا لما رأى هذه الرسالة .. نظر إلى توقيت استقبالها .. فوجده السابعة والنصف صباحا .. كان نائما حينئذ .. بينه وبين نفسه يقول : ليتني كنت موجودا لأستطعت أن أوقف هذا الشخص عند حده .. قرر عندها أن يقلل عدد ساعات نومه قدر الإمكان
وأن يكثف تواجده على الأنترنت .. فهو على ثغر من ثغور الإسلام .. حتى وإن كان ولابد أن يتنازل عن درس المسجد وخطبة الجمعة .. كم شخص يحضرون هناك .. عشرون .. خمش وعشرون .. على الأنترنت آلاف .. بل قل ملايين .. مسلمين وغير مسلمين .. فالأنترنت أولى

اعتذر لأهل المسجد عن درس المسجد وخطبة الجمعة في الفترة القادمة .. على أن يستمر في إمامة المسجد

كان يتوقع منه الكثير كلما رأوه من قبل أن يخرج زجاجة العطر يعطرهم ويوزع عليهم الإبتسامات .. الأن لا يراه اغلبهم إلا وتبدوا عليه علامات الحزن والضيق

سأله صديق له عن
علامات الحزن الظاهرة على وجهه
.. أين ابتسامتك المشرقة .. لم يجبه .. بينه وبين نفسه يقول : هذا لن يفهم ما أقول .. لن يفهم أنني أحمل هموم الإسلام .. وأنا على ثغر من الثغور

أصبح يتأخر كثيرا عن الصلاة في المسجد .. وإمامة المصلين .. أحيانا كثيرة ينشغل في كلمة أو مناظرة أو مشاركة بموقع أو منتدى .. ولا يدرك إلا وقد فاته الوقت ..
يقوم فيتوضأ ويصلي في البيت

آذان المغرب ذات يوم .. سمعه لكنه كان منشغلا جدا في إحدى الغرف الدعوية .. لم ينتبه إلا وهو يستمع إلى آذان العشاء .. توقف قليلا .. فكر وقدر .. تذكر أنه يجوز للمسافر أن يجمع الصلوات .. فكيف بمن يقف على ثغر من ثغور الإسلام يدافع عن الدين ..
أفتى نفسه .. ويالها من فتوى

لم يقم حتى لصلاة العشاء لأن انشغاله بالدعوة لا زال مستمرا ..
لم يصلي المغرب والعشاء إلا عند منتصف الليل
.. واصل بعدها السهرة الدعوية على الأنترنت إلى الفجر

افتقده أهل المسجد .. أين من كان يؤمهم في الصلوات بصوت عذب يحرك المشاعر ويثير الوجدان .. الفقراء واليتامى يسألون عنه .. أين من كان يجمع الصدقات فيعطيها لهم يكفهم بها عن السؤال .. أطفال الحي يبحثون عنه في كل مكان .. يتذكرون من كان يجمعهم في الحلقات يحفظهم آيات الرحمن .. ويقيم لهم الأنشطة والمسابقات والرحلات ..
الكل يفتقده .. لكنهم لا يعرفون إليه سبيل

زاره في يوم من الأيام صاحبه القديم .. تذكرونه ؟؟ .. ذلك الذي عرفه بالأنترنت ليصبح
داعية الملايين بدلا من أن يكون داعية العشرون أو الخمس وعشرون

في الحقيقة أنه لم يأتي من تلقاء نفسه .. فهو يسكن بعيدا عنه .. يأتي لزيارته في أوقات متباعدة ويتابع أخباره على الأنترنت .. يحضر أحيانا بعض دروسه في الغرف الدعوية .. يتأثر كثيرا بها .. كان دائما يحمد الله أن عرف صاحبه على الأنترنت .. ممنيا نفسه أن يكون له من الأجر مثل أجر صاحبه داعية الأنترنت

لم يأتي من تلقاء نفسه لكنه أتى عندما اتصلت به أم صاحبنا وأخبرته عن حال صاحبه .. اشتكت إليه تغير حال ولدها .. كانت تعلم أنه من أقرب الناس إليه .. لم يعجبها حال ابنها فهي أدرى الناس به .. تسمعه يعظ الناس ولا يتعظ هو .. يذكرهم ولا يتذكر .. يأمرهم بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها في الوقت الذي يجمع هو الصلوات .. كانت تخشى عليه من قول الله تعالى :
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة : 44] ـ

دق الباب .. فتحت الأم .. رحبت به .. قدمته إلى غرفة صاحبه .. كان ممسكا بالميكروفون يلقي كلمة .. لم يكلف نفسه أن يقوم لتحية صاحبه الذى أتى له من سفر بعيد .. أشار إليه بالجلوس إلى أن ينتهي من الدرس .. جلس .. انتظر وانتظر .. يستمع .. كانت كلمة رائعة .. فهو يحسن القول والكلام

ما أن انتهى حتى قال صاحبه : ما شاء الله .. لا قوة إلا بالله .. أحسنت وجزاك الله خيرا .. هيا بنا ننزل فنصلى المغرب في المسجد ثم نعود .. تحرج داعية الأنترنت من صاحبه .. لكنه قال : سنصلي هنا لأن لدي موعد لإلقاء درس بعد عشر دقائق والجميع ينتظرون .. أنت تعرف أن كثير من الناس يدخلون من كل الدول واختلاف التوقيت .. و ...... و ..... ـ

قام صديقه .. ناداه .. وقف صاحبنا .. وضع صديقه كلتا يديه على ذراعيه .. هزه بقوة وهو يقول :
أفق .. أفق قبل أن تغرق أكثر فاكثر .. أنا السبب .. أنا السبب .. عرفتك على الأنترنت لتكون سببا في إنقاذ الآخرين .. وما دريت أني أدفع بك إلى الغرق .. حسبت أنني أزيد في ميزان حسناتي وحسناتك .. ولا أدري أنك تهلكني معك .. ليتني تركتك مع مدعويك العشرون أو الخمس وعشرون في المسجد .. تصلي بهم وتنصحهم .. تؤثر فيهم وتتأثر .. تقول وتعمل .. بدلا من أن تصبح داعية الملايين .. تقول فلا تعمل .. وتنصح الآخرين وتنسى نفسك .. وتذكر الناس فيهتدي على يديك الكثير وتضل أنت .. وتنقذ الآخرين وتغرق أنت .. بالله عليك قلي : متى تفيق
.. متى تفيق من غفلتك ياصاحبي .. أعجبتك الشهرة !! وأن يذكر الناس اسمك فيقولوا : الداعية فلان .. أفق ياصاحبي

ساد الصمت لحظات .. إذا بالدموع تداعب عين صاحبنا .. وإذا به يجهش بالبكاء .. يأخذه صاحبه .. يضمه إليه .. يبكيان معا ..
تتشابك الدموع على الخدود

أفاق صاحبنا من غفلته .. لا زال الخير بداخله .. لكنه فقط كان يحتاج من يحرك باعث الخير بداخله .. كلمات صاحبه هزته من الأعماق .. هو أصلا كان يعيش ألما نفسيا عندما يناقض فعله قوله .. قال : لا حول ولا قوة إلا بالله .. كدت أن أغرق .. لكن الله كتب لي النجاة

بدأ صاحبنا ينظم حياته من جديد .. قرر أن يبدأ
حياة جديدة .. عاد إلى المسجد .. في الصف الأول يؤم المصلين .. عاد إلى كلمات المسجد .. اطفال الحي عادوا للحلقات .. عادت الفرحة ترتسم على وجوه الفقراء واليتامى .. اسرة صاحبنا يملأ بيتهم الفرح والسرور .. الأم تدعوا له والوالد .. يجتمعون معا على مائدة الطعام .. أصبح يقيم مأدبة قرآنية لأهل بيته فهم أولى الناس .. يصل رحمه .. ويرضي ربه

نظم حياته .. لم يقطع علاقته بالأنترنت .. الغرف الدعوية والمنتديات ..
جدد نيته .. حدد أوقاتا لكل شئ .. الأنترنت له وقته .. قراءته واطلاعه .. حفظه ومراجعته .. اسرته وأهله .. أصحابه واصدقاؤه .. يحيا صاحبنا حياة ما أحلاها .. يستشعر فعلا معنى الإيمان .. في الأسحار يفرش سجادته يقف يناجي ربه .. وفي النهار نشيطا فاعلا ومتفاعلا في الحياة

داعية الأنترنت عرف طريقه بعد أن كاد يفقده إلى طريق يشبه طريقه الصحيح .. لكنه وإن كان يتشابه معه في الظاهر يبدوا فيه الخير .. لكنه أدرك أن الخير أن يسلك
درب الخير يسأل الله
الثبات

2008-08-24

قراءة في حريق مجلس الشغب ومجلس السورى



القاهرة تحترق .. مجلس الشورى يشتعل .. ومجلس الشغب يغرق في بحار من اللهب .. قلب القاهرة توقف عن النبض .. آلمتنى هذه الصورة كثيرا وأنا أتابع الأحداث

تابعت على شاشات الفضائيات كما تابع غيري .. لم يكن ألمى لأهمية المكان كما يتغنى به الكثير .. فحريق بيت مبني بالقش والطوب اللبن لا يقل عندي أهمية عن أن يحترق مجلس الشغب ومجلس السورى

وإنما كان ألمى على مدى العجز والضعف الذي تعاني منه بلدنا الحبيبة .. بسبب الشلة إياها .. لا أتصور أن ما حدث من الممكن أن يحدث في أقل البلاد وأضعفها امكانيات .. فمجلس شورى القبائل في
طورا بورا لا يمكن أن يحدث فيه هذا وإن كان مجرد خيمة في قلب الصحراء .. فبالتأكيد أن هذه الخيمة مجهزة بأجهزة انذار مبكر ضد الحريق

احترق المجلس بكل ما فيه من مستندات ووثائق .. من المفترض أنها تسطر لتاريخ مصر في الفترة الحالية والسابقة .. بكل ما يحمله هذا التاريخ من فترات حالكة الظلام .. بكل تأكيد احترقت ملفات العبارة السلام .. واحترقت ملفات احتكار أحمد عز لأقوات المصريين .. واحترقت ملفات نواب القروض .. واحترقت ملفات الاعتقالات العشوائية والمحاكمات الظالمة .. ولكن ابشر اصحاب هذه الملفات أن لا يفرحوا فالتاريخ مسطر في قلوبنا وعقولنا .. و
التاريخ لا ينسى

يخرج علينا الدكتور سرور –
المسرور دائما حتى والمجلس يحترق – وصفوت بيه الشريف على الشاشات ليعلنوا الخبر السعيد الذي سيغير وجه الحياة على سطح الكرة الأرضية .. وهو أن الدورة البرلمانية ستعقد في موعدها المحدد – ايه الحلاوة دي – ويتفلسف الدكتور سرور ويقول : إن مجلس الشغب والسورى لم يحترقوا – أمال يادكتور سرور ايه اللي اتحرق – يقول : إنما الذي احترق هو المبنى فقط ولكن مجلس الشغب والشورى باقين – شفت أزاي بقى – ياسلام ياولاد ايه الجمال ده

أخيرا والشئ بالشئ يُذكر .. من عدة أيام دخلت المطبخ لإعداد بعض الطعام .. كانت " فرخة " .. والفراخ طبعا ما تتاكلش غير محمرة .. حطيت الفرخة تتحمر .. ذهبت إلى الغرفة المجاورة .. نسيت الأكل في الفرن بعض الوقت .. تسللت رائحة الدخان إلى أنفي .. جئت مسرعا وقلبي ينبض خوفا من أن يصل الدخان إلى جهاز انذار الحريق المثبت في السقف والذي بدوره سيرن منذرا بحريق ويقوم بالاتصال بشكل اوتوماتيكي بالمطافي .. كل هذا من أجل "
فرخة بتتحمر " لا مجلس شغب ولا مجلس سورى

2008-08-15

ملاعب الصبا

تزوج رجلا من العرب امرأة ثانية .. بنى للمرأة الأولى بيتا وأخدمها جارية .. وبنى للثانية بيتا بجوار بيت الأولى وأخدمها جارية .. في يوم من الأيام خرجت جارية المرأة الثانية تجلس أمام الباب فوجدت جارية المرأة الأولى جالسة .. فرمتها بكلمات .. قالت :

وما تستوي الرجلان .. رجل صحيحة .. ورجل رمى فيها الزمان فشُلتِ

أي أن هذا الرجل كان يمشي على رجلين .. الرجل الأولى هي المرأة الأولى .. شُلت .. والرجل الثانية هي الصحيحة السليمة .. فهل تركتها جارية المرأة الثانية .. لا !! .. قالت :

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى .. ما الحب إلا للحبيب الأولِ

كم منزل في الأرض يألفه الفتى .. وحنينه أبداً لأول منزلِ

مهما زرنا من بلاد .. ومهما ابتعدنا .. سيبقى شئ ما بداخلنا يجذبنا إلى ملاعب صبانا ومكان نشأتنا وطفولتنا .. أيام كنا صغار .. نجري ونمرح .. نلعب ونفرح .. تبتسم لنا الدنيا فنملأها سعادة

بين جدران هذا البيت الذي أحن إليه شوقا ولو كنت أسكن أفخم القصور .. وفي أحضان هذا الحي الذي أذوب إليه حنينا ولو زرت أجمل المدن وأرقاها .. وتحت هذه السماء وفوق هذه الأرض .. ليست كأي سماء ولا كأي أرض .. وهذا الهواء وذاك النسيم

كم يحمل الإنسان في قلبه من حب لملاعب صباه .. أول ما رأته عيناه .. وأول هواء تنفسه .. كل ركن من أرجاء البيت يحمل ذكريات .. وكل نسمة هواء تحمل من عبير الماضي ذكريات يفوح شذاها فتعطر الحاضر

لا يستطيع القلم أن يعبر في كل الأحوال عما بداخلي من مشاعر لكني وبصدق أذكر أيام الطفولة وملاعب الصبا كما لو كنت أحياها الأن .. أيام وأماكن تمتلأ نقاءاً وصفاءاً .. كل ما فيها جميل معطر ببراءة الطفولة

الصداقات كانت بريئة بعيدة عن المكر والخداع .. نلعب .. نتسابق .. نتشاجر أحيانا .. ثم ننام ونستيقظ في اليوم التالي نفتح صفحة جديدة

في هذا البيت فتحت عيني على الحياة .. ألقيت أول نظرة .. ما أجمل أول ما رأيت .. وجه أمي .. ترعاني أمي في هذا البيت .. كل يوم أكبر .. وتكبر أحلامي معي .. بدأت أحبوا .. تعلمت المشي .. بدأ لساني ينطق أول كلمات .. تعلمت صعود السلم .. أصعد .. أنزل .. عرفت طريقي .. ألعب في الشارع .. أطفال مثلي .. أكبر .. أصغر .. ندحرج الكرة هنا وهنالك .. نهتف .. نصرخ .. ما كان لدينا غير الشارع نلعب فيه .. نسهر أحياناً نلعب .. نزعج الكون .. يستمتع العالم معنا


أد إيه كان كل شئ رائع وجميل .. الناس .. الأصدقاء .. البيت .. الدنيا كلها .. حتى الأرض .. حتى السماء والنجوم .. في الصيف .. كنت أنام على سريري .. فوق السرير شباك .. كنت أتركه مفتوحا لنسمات الهواء .. عندما أضع رأسي على السرير لأنام إذا بي ألمح نجمة تبرق في السماء .. كل ليلة أراها مكانها وكأنها ترسل سلامها إلي بريقاً وضياءاً .. ألفتها .. أحببتها .. كل يوم أراها .. أصبحنا صديقين .. بل قل حبيبين .. أبثها من حديثي وأشجاني .. أناجيها وتناجيني .. أهمس إليها وتبوح إلي

يكبر الإنسان وتكبر الحياة معه .. بحلوها ومرها .. بهمومها .. أحزانها وأفراحها .. لكن تبقى براءة طفولتنا وملاعب صبانا .. تبقى في أعماقنا .. تُذكرنا أنننا كنا في يوم من الأيام نحملطهارة السماء .. وجمال الزهور .. ورقة الطيور .. وعذوبة الماء .. فيملأ قلوبنا الحنين إلى هذه المعاني من طهر وجمال ورقة وعذوبة .. حينها .. نذوب شوقاً إلى .. ملاعب صبانا