2008-10-18

لحظة وداع



لم يكن يتصور أن تمر الأيام بهذه السرعة مع أنه كان يتمنى أن تنتهي سريعا .. فهو ما عاد يطيق العيش في هذا البلد أكثر من هذا .. سبعة أيام فقط قضاها هنا أصيب فيها بالضيق

أحضر حقيبة السفر وأخذ يجهز أغراضه ويعد أمتعته .. تذكر أول مرة أعد فيها حقيبة السفر ناوياً الرحيل خارج البلاد وكان السبب أيضاً الضيق الذي كان يعانيه حينما تخرج من الجامعة وراح يبحث عن عمل دون جدوى

أخذ يدس أغراضه في الحقيبة وهو يُحدث نفسه : يبدوا أن هذه البلاد لا تحمل لأهلها إلا الضيق والمتاعب !! تذكر أنه عندما أخذ قرار السفر كان قرار اللاعودة .. ولولا الظروف التي تضطره للعودة بين الحين والآخر للإطمئنان على والدته بعد وفاة والده .. والذي لم يعلم بوفاته إلا بعدها بأيام ولم يحضر جنازته أو يقف على دفنه .. خبأت أمه عنه خبر وفاة والده .. وأمرت الجميع ألا يخبروه حتى لا يُصدم في غربته .. بالمصادفة اتصل به أحد الزملاء ليعزيه ويواسيه وهو يحسب أنه قد علم بالخبر .. فكانت الصدمة التي حركت كل مشاعره وهزت أركانه

تنهد بقوة .. أخذ يدير النظر في أرجاء الغرفة .. كل ركن من أركان الغرفة يحمل ذكريات .. أيام إجازته يقضيها في هذا البيت الذي تربى فيه بالرغم من أنه يقع في أحد الأحياء الشعبية القديمة .. وبالرغم من أنه يملك الأن فيلا في أرقى الأحياء

مد يده ليأخذ آخر قطعة ملابس ليضعها في الحقيبة التي لم يعد بها متسع .. لفت انتباهه البوم صور قد وضع على الرف العلوي .. مد يده .. تناول البوم الصور .. نفض عنه الغبار الذي يعلوه .. يبدوا أنه هنا منذ زمن طويل .. فتحه وراح يقلب صفحاته .. أخذ شريط الذكريات يدور في مخيلته .. صوره وهو طفل يلعب مع إخوته .. صورة والده وأمه وقد التف هو وأخوته حولهما وكأنهم النجوم تناثرت يملأون حياة الوالدين بالسعادة .. صورته في حفل التخرج من الجامعة .. كم كان وسيماً !! نظر إلى وجهه في المرآة .. لاحظ أن تغيراً كبيراً قد طرأ على وجهه .. قد تركت السنوات آثارها على وجهه وأثقلته الغربة بهموما .. بالرغم من أن لديه الأن أموال تؤمن لأولاده مستقبلهم .. أدرك أن سنوات عمره تفلتت من بين يديه .. وأن الثمن الذي حصل عليه في مقابل غربته لا يساوي المقابل الذي دفعه من حياته .. سقطت دمعة صامتة على وجنتيه

في هذه اللحظة دق الباب ودخلت أمه .. حاول جاهداً أن يُخفي دموعه .. لكن بعد فوات الأوان .. كانت أمه قد أتت لتنبهه بإقتراب موعد الطائرة .. ولتملأ عينيها منه وهي تحدث نفسها إن كان الزمن سيسمح لها أن تراه مرة أخرى

ربتت على كتفه بحنان .. لم يستطع ساعتها أن يتمالك مشاعره .. استلقى في حضن أمه يبكي .. اشتبكت الدموع على الخدود

رن جرس هاتفه .. أخرجه من جيبه .. كان السائق ينبهه أنه لم يتبق على موعد الطائرة إلا عشرين دقيقة .. تمهل قليلاً .. مسح الدموع عن عينيه وهو يقول للسائق : ربما سأوجل السفر قليلاً .. وبداخله نداء يتردد .. ربما سأوجله إلى الأبد

2008-10-10

لا زلت أبحث عنكم



جمعتنا الحياة ثم فرقتنا في دروبها المتباعدة .. لا زلت أذكرهم .. ويملأ قلبي الحنين إليهم .. كنا كالجسد الواحد ألفةً وترابطاً .. انفرط العقد فجأة وتناثرنا كحبات اللؤلؤ في هذه الحياة .. بعد أن كان يجمعنا عقد واحد يزين وجه الحياة

كنا قلباً واحدا قد فُرق في أجساد شتى ينبض حباً .. آمال .. أحلام مشتركة .. يسعد شخص .. ترتسم البسمة على شفاه الجميع .. يتألم آخر .. يعتصر الحزن جميع القلوب

يجمعنا حب الله .. نلتقي كل يوم مرات ومرات .. أقلها خمس مرات في وقت الصلوات .. أحلاها بعد صلاة الفجر .. كنا نستشعر ساعتها أن الكون بكل ما فيه ملك لنا .. نمشي في الطرقات .. يلفنا الليل بستاره المرخي علينا .. تبرق لنا النجوم في السماء .. تداعبنا النسمات وكأنها تكآفنا على صلاة الفجر .. نتلوا الأذكار .. تشرق علينا الشمس معلنة ميلاد يوم جديد

كبرنا فجأة .. ربما كنا نحمل تلك القلوب النقية التي وُلدنا بها .. لم تعرف الهموم طريقها إلينا بعد .. ما كنا نحمل للحياة هم .. كانت همومنا أكبر .. نحمل هم الامة .. هم بلادنا .. هم الدين

لا زلت أذكر تجمعاتنا ولقاءتنا .. لم اكن استطيع أن يمر اليوم او اليومين دون لقاء .. نجلس .. نسمر أحياناً .. أحياناً ندرس .. نقرأ أحياناً بضع آيات .. قبيل الفجر أيام دراستنا نتوضأ ونصلي بعض الركعات

تخرجنا من الكليات .. أصبح لكل واحد منا طموحاته .. أخذتنا الحياة في دوامتها .. منا من يعمل او من يبحث عن عمل .. تزوج الكثير .. لم تعد الظروف تسمح لنا باللقاء .. صدقوني كنت اتألم .. ربما هذا كان سبب اتخاذي قرار السفر رغم انني كنت دائما ضده .. قلت في نفسي لن يكون هناك فرق كبير فقد كنت استشعر أنني في غربة وأنا بينكم ابحث عنكم

اذكر عندما سافرت لأول مرة ثلاثة أشهر .. عندما عدت عادت لي الحياة من جديد .. أصبحنا نلتقي .. نذهب .. نأتي .. لكنني تألمت مرة عندما ذكر لي أحدكم أنكم منذ سفري لم تلتقوا ولو مرة واحدة

اتصلت بأمي في رمضان .. غاليتي هذا اول رمضان لي بعيد عنكي .. لا تنسي أن تدعيهم في يوم على الإفطار .. وإن كنت بعيدا فتجمعهم في غرفتي مثل كل عام يعني لي الكثير .. فلان سيرتب معهم ويخبرك باليوم .. اتصلت على فلان .. رتب يوما .. إدعوا جميع الاصحاب .. فقط أخبر امي قبلها .. مرت أيام .. أوشك رمضان على الانتهاء .. جاءتني رسالة جوال يخبرني فيها فلان أنه لا يستطيع تجميعهم فلكل واحد منهم مواعيد وارتباطات .. ينهي رسالته بهذه الجملة : تغيرت المودة والاخاء

عجبت .. كم تمنيت أن اجد احداً معي ساعة الافطار .. غالباً ما كنت أفطر وحدي .. لا تصاحبني على مائدة افطاري الا دموع عيوني .. لا أدري هل هذه سُنة الحياة .. وهل لابد عندما تاخذنا الحياة ان ننسى أناساً أحبونا وأعطونا قلوبهم .. لا أدري ايضاً هل العيب فينا أم في الحياة .. أم أننا من نظلم هذه الحياة

كل ما أعرفه هو أن قلبي يمتلأ بحبكم .. وأنني اشتاق إليكم .. أنتم من تعطون لحياتي طعما .. وتجعلون لها معنى

إخواني .. إن فرقتنا دروب الحياة .. وأخذتنا في طرقها الطويلة .. سيبقى دائماً ذلك العهد الذي تعاهدت عليه قلوبنا .. وكتبناه بمداد دموعنا .. سأظل أذكركم في دعاؤي .. وينبض قلبي على وقع نبض قلوبكم إلى أن نلتقي في الفردوس الأعلى

اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك .. وتوحدت على طاعتك .. وتعاهدت على نصرة شريعتك .. فوثق اللهم رابطتها .. وأدم ودها .. واهدها سبلها .. واملأها بنورك الذي لا يخبوا .. واشرح صدورها بنور اليقين بك .. وجميل التوكل عليك .. وأحيها اللهم بمعرفتك .. وأمتها على الشهادة في سبيلك يارب العالمين